إن علاقة الابن مع الدراسة تتأثر بخمسة عناصر (ميمات البناء العلمي للطفل):

 

أولاً: المحور (وهو الطالب نفسه):

والذي يختلف عن غيره بإمكاناته وقدراته، باهتماماته واحتياجاته، باستعداداته وعقباته..

فمن الظلم أن أغض الطرف عن الفروق التي تميز الابن عن غيره من الإخوة أو الأصدقاء..

ومن الظلم أن لا نميز بين ما نريد من الابن وما يمكنه فعله حقاً.

ومن الظلم كذلك أن ننتظر منه في فترة الامتحان أن يغدو "آلة دراسية" تعمل طيلة الوقت، مع غض الطرف عن حاجاته الأخرى للراحة النفسية والجسدية واللعب والطعام والنوم والاجتماع بالأصدقاء...

ومن الظلم أن أختصر الابن في دراسته، في علاماته ودرجاته، في مستواه العقلي وقدراته الذهنية، وعدم الاكتراث بما يتميز به عن أقرانه من النواحي الأخرى.

حين يجد الابن نفسه في هذه الدوائر فلديه القدرة الكافية على إخراج الأهل من دائرة التعليم والتدريس إلى دائرة الانفعال والعصبية والإرباك، ولعل انفعال أمه أو أبيه عند عدم تجاوبه يُسمعه بعض العبارات اللاذعة؛ لكنه يريحه مدة من التعليم ريثما هدأ والداه.

 

ثانياً: المعلم:

وهو الرابط المباشر بين الطفل والعلم، وقد يحبب الطفل بالدراسة والتعلم وقد يدفعه للنفور منها والسخط عليها.

لا ننسى أن المعلم هو أحد الميمات التربوية الخطيرة (المنزل، المعلم، المسجد، المجتمع، مؤسسات المجتمع المدني) [كما بينا في "صناعة الابن البار"]، فالابن يمضي وقتاً كبيراً من نهاره مع معلمه، ويتأثر بمبادئه ومحاكماته وقيمه وسلوكاته... وليس بالمادة العلمية التي يتلقاها منه وحسب، كذلك يتأثر بتقييم المعلم له وممارساته معه، فالمعلم الذي يحترم الطالب، ويعدل في قِسْمه، ويكافئ المتفوق ويساعد غيره، لا يستوي مع معلم يَسخَر ويهين ويتهكَّم ويميِّز بين طالب وطالب بالاهتمام والمعاملة.

 

ثالثاً: المدرسة:

يقضي الطالب في مدرسته بين نصف اليوم إلى ثلثه، ويأخذ منها 17% من معارفه، وهي المكان الذي يجمَع بينه وبين أصحابه، وبينه وبين معلميه.

على الطرف المقابل قد تكون ممارسات المدرسة إدارياً كقوالب تحدّ عقل الطفل وسلوكه، لتكون بيئة أشبه ما تكون بالكتيبة العسكرية، التي تحكم على الطلاب بقبضة من حديد بحجة التدريب على الانضباط والنظام وعدم السماح بالفوضى، ناهيك عن اشتمالها على المعلم السيء إن كان، والمنهاج الجاف وغير المتوازن، فتغدو المكان الأسوأ - على الإطلاق - في عين الطفل.

 

رابعاً: المنهج الدراسي (المقرر):

ممكن أن يكون المنهاج الدراسي منهاجاً جذاباً، سلساً، مشتملاً على أنشطة تفاعلية، مراعياً ذوق المرحلة العمرية وأهم ما يلفت الطالب ويهمه فيها.

لكن الغالب أنه المنهاج يغلب عليه الجفاف، يكون محشواً بالمعلومات الجافّة، جاذبيته منخفضة أو منعدمة، مع ثقل في الحجم والكم.

أو تسوده السمة النظرية البعيدة عن الواقعية؛ بحيث يشعر الطالب أنه يُحقَن بمعلومات من كوكب آخر لا يعرف كيف سيستفيد منها في حياته أو على الأقل كيف سيحتفظ بها في ذهنه إلى ما بعد الامتحان!

أو يكون المنهاج المدرسي غير متناسب مع اختلاف الطلاب وفروقاتهم الذهنية وتنوع فئاتهم الاجتماعية والحضرية.

هذه السلبيات في المناهج، وما يتبعها من حديث الأولياء عن سلبيات المناهج أمام أبناء، تدفع الأولاد لعدم الاهتمام بالامتحانات، إذ يشعر الطفل أنه يدرس شيئاً لا قيمة له ولا معنى.

 

خامساً: المنزل:

ولعله من أبلغ هذه المؤثرات الخمسة سلباً وإيجاباً، فالوالدان هما الأخبَر بحال ولدهما، الأدرى بقدراته وميزاته، الأعلم بصعوبات التعليم والفهم التي يواجهها...

فلا يضيع ابنهم بين عشرات الطلاب كما يضيع في القسم أمام عين المعلم..

ولا أمام مئات الطلاب كما يضيع في المدرسة أمام عين الإدارة..

ولا أمام آلاف الطلاب كما يضيع في عين المنهاج..

ولا يستتر أمامهما ما يستتر عنه في عين نفسه، فهم يعون مزاياه ومحدوديته أكثر منه.

 

ومن الضروري في البيت:

محاولة إدارة العملية التعليمية: بالتواصل مع المعلم وإدارة المدرسة، وإعادة شرح ما صعُب من المنهاج، وتيسير الواجب المدرسي، وحل الإشكالات التي يواجهها الطالب مع زملائه وأصدقائه وخدمات مدرسته، وتشجيع الابن حال تفوقه، وتقديم الدعم اللازم له حال تأخره، من دروس خارجية، أو كتب خارجية، أو مساعدة في التحفيظ والسماع منه، أو بث الثقة بالنفس حال الخوف، وتوفير الجو المناسب للدراسة، من هدوء، واقتراح برامج دراسية، وإغلاق تلفاز، وتنظيم طعام، ونحو ذلك، والعمل على إزالة التوتر والقلق المصاحب للامتحانات عند جميع فئات الطلاب بغض النظر عن تفوقهم الدراسي..

 

التفاعل مع الطفل في العملية الدراسية: بحيث لا يجد نفسه وحيداً في الميدان أمام أمٍّ تأمر وتنهى ثم تتوجه إلى التلفاز لتتمتع بتناول الفوشار، وأبٍ يأتي آخر النهار ليحقق بالمكتسبات الجديدة ويعاقب ويصرخ عند التقصير، فالمطلوب التفاعل الإيجابي من كلا الأبوين، وإن كان الملاحظ تخلي الأب عن تعليم الابن في هذه الفترة، ورمي المسؤولية والثقل كاملاً على الأم.

 

تعوّد الأهل على الكلام الإيجابي طيلة العام: فالطفل يكشف التغيُّر المفاجئ للسان أهله مع قدوم الامتحان، ويحاول أن يوصل لهم رسالة أنه لا يبالي بهذا الكلام، خاصة إذا لمس خلال العام ربط الامتحانات بأشخاص الأهل وسمعتهم.

 

تعوُّد القراءة المنزلية: بتخصيص وقت خاص بها كما يتم تخصيص وقت للطعام والنوم، والذي يكون في البيت مقدساً أحياناً، فكذلك القراءة، ينفع تخصيص وقت لها يتعود من خلاله الابن على التعلُّم، ويحاط بالبيئة المساعدة، دون احتياج إلى تغيير برنامج الابن ونمط حياته أيام الامتحان (النوم - الطعام - الراحة - اللعب...)، ولا ربط بين التعلُّم والامتحان، إنما يكون التعليم في بيته نمط حياة.

 

إجراء الامتحانات التجريبية: والتي يتم فيها حلّ نماذج عن اختبارات الأعوام السابقة، مع تحديد وقت حقيقي لذلك، يتضمن الإجابة على كل الأسئلة، ومراجعتها، ونقل ما في المسودات، ثم تصحيح الأوراق من قبل أحد الوالدين وتقديم النصح أو التثمين بعد ذلك.

 

محاولة فهم قدرات الولد: وعدم مقارنته بغيره، بل توجيه قدراته وتفعيل ميزاته ومساعدته على تطوير ذاته، واحترام الفروق الفردية بين الأبناء، فالابن الذي يعاني نقصاً في الانتباه أو فرطاً في الحركة يحتاج إلى زيادة في عدد مرات الاستراحة مع قلة وقتها، بحيث يستريح مثلاً مرة كل نصف ساعة لمدة خمس دقائق..

 

مكافأة الابن المتفوق، مع الحذر من الوعد بهدايا قيِّمة بعد الامتحان، ثم مساومة الولد والتحايل للتملص من الوفاء بالهدية، مما يجعل الولد غير واثق بوعود أهله في الامتحانات المستقبلية.

لعل هذا من أهمّ ما يمكن للبيت فعله في هذه الفترة المهمة، وإن كانت العناصر الخمسة مسؤولة عن تعليم الولد غير أن البيت هو أبلغها أثراً وأعمقها.

 

قد يهمك: (آليات التفوق - على طريق البكالوريا)