شرّف الله شهر الصيام بالقرآن، فقال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

وتحدث القرآن الكريم عن نزوله في مواضع كثيرة، منها قول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 3 - 5]، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1 - 5]، وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193، 194].

 

أسماء القرآن الكريم:

1. القرآن: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [البروج: 21] وهو أشهر أسماء القرآن الكريم، بل هو الاسم العلم الدال على هذا الكتاب العزيز.

2. الكتاب: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] من الكَتْبِ أي الجمع، وتطلق على الكتابة لجمعها الحروف، ومنه كتيبة الجيش لاجتماعها، وسمّي القرآن بذلك لأنه يجمع أنواعا من القصص والآيات والأحكام والأخبار.

3. النور: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15]، نور يكشف الحقائق، ويبين الأحكام، ويوضح شيئاً مما يعجز العقل عن معرفته من الغيب.

4. الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1]، ففرّق بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والحلال والحرام، والخير والشر...

5. الوحي: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]، {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الشورى:3]. 

 

الوحي:

ومعنى الوحي عامة هو إلقاء العلم في سرعة وخفاء إلى الغير، وفي الاصطلاح: (إعلام الله تعالى لمن اصطفاه من عباده بطريق خفية سريعة).

والوحي في أي مرتبة من مراتبه أمر عظيم يقتضي من الإنسان أن يتجاوز حدود المادة وعالم الشهادة ليتصل بالملائكة وعالم الغيب، وذلك يقتضي من صاحبه استعداداً يهيئه الله تعالى في أولئك الأخيار الذين اصطفاهم من خلقه لهذه المنزلة.

وقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى تدرج المخلوقات فقال: (ثمّ انظر إلى عالم التّكوين كيف ابتدأ من المعادن ثمّ النّبات ثمّ الحيوان على هيئة بديعة من التّدريج...، وانتهى في تدريج التّكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والرّويّة...، هو النّفس المدركة والمحرّكة ولا بدّ فوقها من وجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة ويتّصل بها أيضا ويكون ذاته إدراكا صرفا وتعقّلا محضا وهو عالم الملائكة فوجب من ذلك أن يكون للنّفس استعداد للانسلاخ من البشريّة إلى الملكيّة ليصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات في لمحة من اللّمحات وذلك بعد أن تكمل ذاتها الرّوحانيّة) [1/121].

 

من معاني الوحي:

- وحي القرآن: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [فصلت: 6].

- وحي الإلهام: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7].

- وحي الإشارة: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11].

- وحي الوسوسة: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121].

 

من كيفيات نزول الوحي:

جمع ذلك قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].

وعن الحارث بن هشام أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس - وهو أشده علي -؛ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني؛ فأعي ما يقول. قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً». [أخرجه البخاري ومسلم].

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصالحة في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله [أي: يرجع]، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: «اقرأ. قال: قلت: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ،قال: فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد. ثم أرسلني. فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]» فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة - وأخبرها الخبر -: لقد خشيت على نفسي. فقالت له خديجة: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

فانطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي - وهو ابن عم خديجة، أخي أبيها - وكان امرءاً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس [أي: الملَك] الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً [أي: شاباً]، ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك حياً أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشَب ورقة أن توفي، وفتر الوحي).

 

وبناء على ما تقدم تكون مراتب الوحي:

1. الرؤيا الصادقة، وذلك كما ورد في حديث عائشة المتقدم.

2. قذف المعنى في القلب، بأن يلقي الله ما يريد إلقاءه إلى النبي مباشرة بطريق خفي سريع دون واسطة.

3. الكلام المباشر من الله تعالى، فيكلم الله النبي من وراء حجاب تكليماً، كما أوحى إلى النبي صلّى الله عليه وسلم ليلة المعراج بأمر الصلوات ومضاعفة الحسنات، وكذلك سيدنا موسى عليه السلام: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وكان الحجاب هو الشجرة: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: 30].

4. أن يرسل الله الملك إلى النبي فيلقي إليه ما أمره الله تعالى به، ويكون ذلك في حالتين:

  أ. يكون الملَك على هيئته الملكية، (وهو أشدها)، فيُسمَع مثل صلصلة الجرس.

  ب. يكون الملَك على هيئة البشر (دحية الكلبي).

  ج. يكون الملك في صورته الملكية العظيمة التي خُلق عليها (وقع ذلك مرتين: مرة في الأرض، ومرة في السماء ليلة المعراج)

 

آثار الوحي:

ومن آثار الوحي ومظاهره على النبي صلّى الله عليه وسلّم

1- تغيُّر الوجه: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه كُرب لذلك، وتربد وجهه» [مسلم]، أي تغيّر وجهه واحمرّ حتى اسودّ بعضه، (وكان إذا أنزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم، وغمض عينيه).

 

2- التعرّق: قالت عائشة: (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقاً) [متفق عليه]

 

3- ثقل الجسم: كان صلّى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي ثقل جسمه حتى يكاد يرضّ فخذه فخذ الجالس إلى جنبه، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله أملى عليه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فجاءه ابن أم مكتوم - وهو يملها علي فقال : والله يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان أعمى - فأنزل الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي؛ فثقلت علي، حتى خفت أن ترضَّ فخذي، ثم سُرِّيَ عنه، فأنزل الله عز وجل : {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]. [أخرجه البخاري].

 

4- تحريك الشفاه: فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة وكان ممّا يحرك شفتيه، فنزل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16، 17]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل بعد ذلك استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه.

 

5- دويّ النحل: وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل) [الترمذي]

 

6- بروك الراحلة: فكان صلّى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي بركت به راحلته، فما تستطيع أن تحرّك حتى يُسرّى عنه.

 

7- النقاء الذاتي: أُلهِم النبي صلى الله عليه وسلم تصفية نفسه وترقية سريرته لاستقبال الوحي، و(حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد) [متفق عليه]، وبعد نزوله كان النبي صلّى الله عليه وسلم يجعل ليوم الوحي اهتماماً وتوجهاً خاصاً إلى الله، بمجاهدة النفس والتصفية لها بالصيام، فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال: «فيه ولدت، وفيه أنزل عليّ» [مسلم]. وكذلك بالصدقة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل. وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة».

 

نزول القرآن الكريم:

تحدث القرآن عن نزوله في مناسبات كثيرة كما تقدم، والقرآن لم ينزل جملة واحدة كما نزلت الكتب السابقة على الأنبياء دفعة واحدة، بل اختص الله تعالى هذا القرآن بأن أنزله منجماً أي مفرقاً، بحسب المناسبات، واقتضاء الحال، فقد ينزل جبريل بكلمات من آية - كما تقدم في قوله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] -، وكثيراً ما كانت تنزل خمس آيات، أو تنزل عشر آيات، أو أقل أو أكثر.

 

1) أعداد النزول:

نزل القرآن الكريم ثلاث مرات:

1- من الله عز وجل إلى اللوح المحفوظ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22]، واللوح المحفوظ عالم علوي عظيم جعله الله تعالى من أعظم المظاهر الدالة على عظمة علمه تعالى وحكمته وقدرته النافذة في الأكوان، ويختص اللوح المحفوظ بكونه مشتملاً على تسجيل ما قضى الله تعالى وقدّر ما كان وما سيكون، وهو من أسرار الغيب التي لم يطلعنا الله تعالى على حقيقتها وستظل كذلك في أستار الغيب.

 

2- من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، قال ابن عباس: (إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر، وفي ليلة مباركة جملةً واحدة، ثمّ أنزل على مواقع النجوم ترتيلاً في الشهور والأيام) [ابن أبي حاتم وابن مردويه].

 

3- من السماء الدنيا إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم: متفرقاً منجماً خلال 23 سنة، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32].

 

لكن: ما الحكمة من نزول القرآن الكريم مفرقاً؟

أ. تثبيتاً لفؤاده صلى الله عليه وسلم، وتقوية لقلبه: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان: 32]، فقد بعث الرسول صلّى الله عليه وسلم في قوم جفاة شديدة عداوتهم، كما قال تعالى: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97]، أي: معاندين شديدي الخصومة والجدال.

ب. دعماً للرسالة والرسول، ومواجهة لما يطرأ من أمور أو حوادث تمس الدعوة {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33].

ج. مجاراة للوقائع والأحداث اليومية، كنزول التوجيهات والعبر في غزوة بدر ومسألة الأنفال، ومصيبة المسلمين يوم أحد..، ونزول القرآن ببيان الحكم الإلهي لما يقع كما في آيات الزنا والظّهار، والعدّة والأيمان.

د. إجابة على أسئلة الصحابة واستفتاءاتهم - كسؤالهم ماذا ينفقون، وعن الأهلة، وعن المحيض...-، وإجابة أسئلة غير المسلمين التي كانت تُلقى للتثبت من نبوته - كسؤالهم عن أهل الكهف، وقصة ذي القرنين، وعن الروح -، وكذلك الأسئلة التي تُلقى للتهكم والمراء، كالذي وقع يوم جاء أبيّ بن خلف إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم وهو يفتته ويذريه في الهواء وهو يقول: يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال: «نعم، يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار»، ونزلت: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]..

هـ. التدرج في الأحكام، والتدريب على التطبيق والامتثال -كتحريم الخمر، والربا، وتحويل القبلة...-، وإن نزوله على التدريج (أدعى إلى قبوله، بخلاف ما لو نزل جملة واحدة فإنه ينفر من قبوله كثير من الناس، لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي) [الناسخ والمنسوخ].

وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا).

 

2) أسباب النزول:

أسباب النزول - أو مناسبات النزول - هي (ما نزلت الآية أو الآيات تتحدث عنه أيام وقوعه)، فليس إخباراً عما مضى (كقصة أهل الكهف، وذي القرنين، وقصص الأنبياء...)، ما لم يكن ذلك جواباً لسؤال النبي عن ذلك، فيكون السؤال هو مناسبة النزول، ولأجل ذلك لا يمكن معرفة أسباب النزول إلا بالنص من القرآن الكريم كقوله: {ويسألونك... قل}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة الكرام، فهو أمر لا اجتهاد فيه، بل روايات تخضع لقواعد المحدثين، فإذا اختلفت روايات أسباب النزول نرجح الأصح سنداً، ويعَد قول الصحابي في سبب النزول من الموقوف الذي له حكم المرفوع.

وتفيد معرفة أسباب النزول في الإعانة على فهم معنى الآيات ودلالاتها، لكن من الضروري العلم بأن القرآن الكريم ما نزل ابتداءاً من دون سبب كعدد من قصص السابقين وأحوال القيامة، وهو معظم القرآن الكريم، ومنه ما نزل عقب واقعة أو سؤال، وهو الأقل، وتبقى العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهو كالقانون، يصدر لسبب ثم يصير حكماً.

وقد تتكرر مرات نزول الآية الواحدة (مثاله: آيات اللعان)، ولا يُعتبر من النزول مراجعة جبريل للنبي بالقرآن (العرض).

 

3) زمان ومكان النزول:

ويتضمن حديث علوم القرآن الكريم عن ذلك: المكي والمدني، السفري والحضري، الليلي والنهاري، والصيفي والشتائي، الأرضي والسمائي...، وسنقتصر الحديث هنا عن المكي والمدني اختصاراً ولأهميته.

 

المكي والمدني:

إن المعيار في تحديد المكي والمدني هو الهجرة، وليس المكان، فهو معيار زماني لا مكانيّ، ومثاله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، نزلت في جوف الكعبة، وهي آية مدنية، لأنها نزلت يوم الفتح بعد الهجرة.

طرق معرفة المكي والمدني:

1- النص (بالسماع والنقل)

2- القياس (بالبحث والاستقصاء)

 

من خصائص وسمات المكي والمدني:

في المكي

في المدني

  الحروف المقطعة (عدا الزهراوين)

  الحدود، المنافقون (عدا العنكبوت)

  قصة آدم وإبليس (عدا البقرة)

  جزئيات التشريع وتفاصيل الأحكام (الميراث، الطلاق)

  أصول العقائد والتوحيد واليوم الآخر والجنة والنار

  دعوة أهل الكتاب للإسلام.

  قصص الأنبياء والأمم السابقة

  أحكام الحرب والصلح والغنائم.

 

فائدة معرفة المكي والمدني:

1- فهم تفسير الآيات.

2- الاطلاع على تاريخ التشريع وتدرج التكاليف.

3- الاستفادة من أسلوب القرآن في الدعوة حسب أحوال المخاطبين.

4- بيان اهتمام الصحابة وعنايتهم بالقرآن وتتبعهم لتفاصيله، للاقتداء بهم.

 

4) أول وآخر ما نزل:

في علوم القرآن يتناول أول وآخر ما نزل البحث في موضوع معين، أو ناحية معينة، كالجهاد، والخمر، والمواريث...

- أول ما نزل من الآيات: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]

- آخر ما نزل من الآيات: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281]

- أول ما نزل من السور الكاملة: سورة الفاتحة.

- آخر ما نزل من السور الكاملة: سورة النصر.

 

للاستزادة: يراجع كتاب: "علوم القرآن الكريم" للدكتور نور الدين عتر.